عيد فطر مبارك وقصة قصيرة .
نهنئكم وأنفسنا وجميع المسلمين بحلول عيد الفطر المبارك أعاده الله على كافة المسلمين وعلى الأمتين العربية والإسلامية بتحررهما من التبعية والاحتلال بكافة أشكالهما . والله مجيب الدعاء وهو السميع العليم ..
قصة : الشاطئ الوهمي
.الدكتور عبدالإله الراوي
لقد ذكرنا هذه القصة وأسباب عدم نشرها سابقا نعيدها بصورة موجزة . إن بعض المسؤولين الحزبين منعوا نشرها عامي 1963 و 1969 والسبب هو الخشية من تفسير محتواها بأنه ضد الدين واستغلال ذلك من قبل بعض الأحزاب الدينية .ونعيد ما ذكرناه سابقا بهذا المجال مع تعديلات بسيطة:(ونعود الآن إلى علاقتنا مع مارون عبود فنقول بأن إحدى القصص القصيرة لمارون عبود أثرت على أسلوبي في الكتابة وذلك لأني قبل قراءة القصة التي سنذكرها كنت أكتب بأسلوب فيه نوعا من الرمزية.
عام 1963 كتبت قصة قصيرة وكان عنوانها (الشاطئ الوهمي) وقد سلمتها لرئيس تحرير صحيفة أسبوعية، وكان بملابس رجل دين من جنوب العراق، واسم الصحيفة حسبما أتذكر (الإيمان أو البيان ) وهي تهتم بالشؤون الأدبية ومقرها في شارع أبي نؤاس وكانت تنشر ما يكتبه الشباب بصورة خاصة ومن بين من أتذكرهم سركون بولص رحمه الله، وآخرين صدر عدد منها بعد يوم أو يومين من تسليم قصتي لرئيس التحرير وذكر في هذا العدد ما يلي : في العدد القادم سيتم نشر قصة (الشاطئ الوهمي) لعبدالإله الراوي.
وللأسف كنت قد قرأت القصة لبعض أصدقائي قبل ذلك، وكان أحدهم نصيرا في حزب البعث العربي الاشتراكي وفي نفس الحلقة الحزبية التي كنت فيها وظهر بأنه أبلغ المسؤول الحزبي بذلك، حيث طلب مني بعدم نشرها لكونها ستؤدي لخلق متاعب للحزب.
مما اضطرني للذهاب لرئيس تحرير الصحيفة وسحب القصة قبل نشرها.
وعندما أصبحت رئيسا لتحرير جريدة (الرسالة) الموصلية حاولت نشرها، وكنا نعقد اجتماعا يتم فيه عرض ما سيتم نشره، وقرأت القصة وكان المسؤول الحزبي عن الجريدة في حينها الرفيق والأخ غانم العناز،- رحمه الله - ، والذي أصر على عدم نشرها رغم توضيحي بأنها لا تتضمن أي نوع من الإلحاد بل بالعكس من ذلك فهي تعري النزعة المادية التي طغت على تفكير جيلنا.) ( مارون عبود القومي العربي وقصيدته محمد مارون. شبكة البصرة. 23/11/2013 )
ونؤكد هنا أن القصة تمثل الصراع الذي كان شائعا في تلك الفترة بين الفلسفة المادية والفلسفة الروحية .ولمن لم يعش تلك الفترة نقول له بأن الفكر المادي كان سائدا في جميع الدول وبالأخص العربية ويعود الفضل في ذلك للحزب الشيوعي وتأثيره على شباب العالم في ذلك الزمن والقصة حقيقة تقدم انتصارا للعقيدة الروحية على مثيلتها المادية . والآن لنقرأ القصة .كما هي حين كتابتها عام 1963.
قصة قصيرة : الشاطئ الوهمي .
لقد وجدتك أيها المعبود .. أنت الذي صعقتني بكهربتك المميتة وجذبتني إلى عبادتك . نعم أنت الإله الذي كنت ابحث عنه .. وجدتك ووجدت فيك آخر ما كنت أتوقعه ... شيء يعبد .
أنا تلك السفينة التائهة وسط دوامة تدوخ ولا تدوخ .. تلك الدوامة لتي جعلتني أسير تيارها .. ودعتني معصوب العينين يسير وراءها دون أن يجد مبررا لجريه خلفها .. كل ما اعرفه أنه ألقي هناك .. عندما ولد التاريخ .
لقد قالوا لي بأنك ألقيت على شاطئ السلامة مثلنا .. هكذا قالوا فهل يا ترى فيما قالوه شيئ من الحقيقة !! ؟
إني أتذكر ولا أدري قد يكون ما أتذكره مجرد أوهام زرعوها في مخيلتي . بأني كنت أرسو ولكني أحسست بأن الشاطئ بدأ يبتعد عني .. أو أخذت أنا ابتعد عنه .. لا أدري... كل ما اعتقده أن الماء أخذ يرتفع من تحتي تدريجيا ويجرني إليه إلى أن دعاني لا أرى من شاطئهم شيئا .. أو أراه في بعض الأحيان .. وأنا أدور مع تيار الدوامة .وأصارعه إلى أن أتغلب عليه وأخرج .. جاريا خلف الشاطئ متحديا الشكوك التي تنبت كالبثور في عزيمتي تريد إيقاعي لقمة جاهزة بأيدي اليأس الشرهة .
واستمر أجري إلى أن يجف حلقي وتشل عضلاتي ويلفني الإرهاق بلحافه الأسود .. انظر أمامي .. لا أرى شيئا .إن الشاطئ أخذ يبتعد عني ..إني أراه يتلاشى تدريجيا ويتحول إلى وهم .
وأعود سجين الدوامة .. فاقد الوعي .. هكذا في البداية وأصبح هذا الصراع مرضا مزمنا ينتهي دائما إلى .. فقدان الوعي .
أما الآن .. فقد وجدت الشاطئ الحقيقي .. تلك العينين البقريتين ..اللتين بإمكانهما أن تنقذاني .. إنه المعبود الذي ابحث عنه .. لأنه حقيقة مجسدة أمامي . لقد آمنت به لأنه موجود في كل مكان ..الأستاذ يلقي المحاضرة التي لا أعي منها شيئا لأن معبودي ملأ كل فراغ .. أنظر إلى الأستاذ ببلاهة لأراهما أمامي ..
التفت إلى الجدار لأرى العينين تتحدياني .. إذا لقد وجدت الإله وجدت المرسى ..وستنتهي معضلتي ..أنا ذلك الإنسان الذي كنت أقول لهم بأنكم تافهون لا ترون الأمور على حقيقتها ..نحن جميعا نعيش على نفس السفينة ولكنكم تتوهمون الشاطئ ..أما أنا فلا أستطيع أن جعل من الوهم غذاء لي ...
وظهرت أنت بنورك الباهر لتنقذني .. متى ينتهي الأستاذ من ثرثرته المملة .. لأقدم إليك نفسي كأحد عبيدك .. لأسجد تحت قدميك .. طالبا أن تشملني برحمتك .
-أتسمح لي .. إني أحد من وصل إلى الحقيقة .. إلى أنك وحدك الذي يستحق العبادة .. لا لا تنظر إلي هكذا .. لا تضحك أرجوك ..أنا لست غبيا .. كنت أعيش فترة الغباء ولكني صحوت . نعم صحوت ..صدقني ..أنت أنقذتني ..أنت .. أتريد أن أقص عليك حكايتي ..أنا أدري أنك تعرفها .. من هذه الإشعاعات لتي أرسلتها .
ولكني أريد أن أهذي .. أن اطرد الماضي .. هذا الصدأ المتراكم على حتى ترك عفونتي لا تطاق .. ولكنك أنت ستطهرني .. عدني بأنك ستستمع ما أهذي به .. أريد بهذياني أن أنفس .. وافقت .. أشكرك ولكن لا تضحك هكذا .. قصتي أه نعم القصة ...من أين أبدأ .. قبل لحظات قبل أن تغمرني بنورك كنت أعيش الضياع .. كنت أعمى .. حسنا إن من كنت أحيا معهم يلقبونني بصاحب فلسفة - الغرف المظلمة -.لأني كما يقولون قلت هذا مرارا عديدة كتبرير لمواقفي اللا أبالية ..إني لا أتذكر متى قلت هذا ولكن لا بأس من الاعتراف ..قد أكون قلته في إحدى نوبات الصرع التي غالبا ما تنتابني . على كل حال هذا لا أهمية له الآن.
المهم أني وجدتك وآمنت بك والآن أريد أن تباركني .. لا ..لا رجوك لا تضحك هكذا قلت لك بأني لست أبلها ولا مجنونا حتى تضحك علي.. إني مجد بقولي .
استمر في الضحك .. ضحك جنوني ..اهو مجنون ؟ لا لا يمكن ولكن لماذا لا نقول بأنه لا يشعر بمكانته لآنه يعاني من مركب نقص فظيع ..لأنهم يحتقرونه ولذا فإنه لا يصدقني . لا يصدق بأني إنسانا استطاع..أن يعطيه حقه . أن يكتشفه .
ماذ اعمل ؟ استنجدت بلفافة تبغ ..إنه لا ينتهي من ضحكه الهستيري .. ولكن ألم يقل الفلاسفة بأن الشذوذ لدى العباقرة أكثر منه في غيرهم ..ها إنه كف عن الضحك .. سوف يباركني وترسو سفينتي .
..ها ..ها أتعتقد أني مجنونا لا يا مسكين إني اضحك عليك . على أكذوبتك التي تحاول خداع نفسك بها أما أنا فلا تستطيع خداعي .. إنك إنسان ملعون كتبت عليك اللعنة منذ بدأت تحب نفسك .. ثم تحول حبك هذا إلى عبادة .
وأصبحت تعبد نفسك وأما ادعاءك بأنك تحبني فهو ما يضحكني .. هذه اللفافة بيديك متى بدأت بتدخينها ؟ لا لا حاجة لك بالإجابة أنا اعرف بأنك سبقت أقرانك بها ..أتدري لماذا ؟ لأنك كنت تريد أن تقلد الرجال .. بعد أن أصبحت رجلا لم يرقك أن تكون مثلهم ..أردت أن تكون أكبر إن أحلامك الملساء خدعتك أيها القذر .. ودعتك ترى نفسك بمرآة مكبرة .. نفسك الحقيرة .
والآن رأيت في شيئا يجلب الانتباه ..شيئا جميلا .مؤسرا وجئت لتدعي بان هذا الشيء بهرك .. ها أنت تلقي بقايا اللفافة أفهمت ؟ إنك لا تفهم أنا كذلك تريد أن تنبذني بعد أن تستعبدني .. لا لا تفتح فاك أنا افهم . تريد أن تقول بأنك تعبدني . دعك من هذه اللعبة النتنة .. العب غيرها أنا أعرفك من نظراتك ..لأن المعبود لا يحدق به وإذا نظر إليه فيجب أن ينظر إليه بخشوع ..أما أنت... فكنت تتحداني ....
الدكتور عبدالإله الراوي
دكتور في القانون محام عراقي سابق وكاتب وصحافي مقيم في فرنسا
iraqrawi@gmail.com
تجدون كافة مقالاتنا التي نشرت بعد الغزو على