اندماج المسلمين في المجتمعات الغربية . هنا العراق . 23/12/2009
الدكتور : عبدالإله الراوي
قبل عدة أيام قرأت مقالا يتضمن عرض ما ورد في استطلاع رأي حول هذا الموضوع ( تقرير يكشف أن مسلمي بريطانيا الأكثر وطنية . وكالة الأنباء البريطانية . 14/12/2009 ) .
ونظرا لكون هذا البحث لم يتطرق لأسباب الفرق باندماج المسلمين في الدول التي تطرق لها ولكوننا لم نحصل على التقرير فنحن مضطرون للتعويل على ما ورد في هذا المقال .
ولكن قبل أن نناقش الأسباب نود على تقديم موجز لما ورد بالتقرير مع بعض الملاحظات.
أولا : عرض سريع لما ورد بالبحث مع ملاحظات .
1- التقرير يعتبر الذين ينسلخون من أوطانهم وثقافتهم الأصلية: ( الأكثر وطنية ) ووفق قناعتنا كان المفروض أن يقال : أكثر حبا لوطنهم الذي يقيمون فيه وأكثر اندماجا بالمجتمع الذي يعيشون معه .
2- كشفت الدراسة أن معدل 78% من مسلمي بريطانيا يرون أنفسهم بريطانيين ، مع وجود فرق لا يمكن تجاهله بين الجيل الأول من المهاجرين والجيل الثاني أي الذين ولدوا في بريطانيا حيث أن 72% من المولودين في بلدانهم الأصلية يرون أنفسهم بريطانيين وقفزت هذه النسبة إلى 94% لدى الجيل الثاني .
ونرى فعلا بأن النسبة عالية جدا وغير متوقعة وبالأخص بالنسبة للجيل الثاني ، وربما يعود ذلك لقلة زيارة هؤلاء للدول التي ولد فيها آباءهم ، كما أنهم استطاعوا ومن خلال دراستهم في بريطانيا على الحصول على عمل أسوة بأقرانهم من البريطانيين من أديان أخرى .
3- أشار البحث إلى أن نسبة من يعتبرون أنفسهم فرنسيين من المسلمين هي 49% لتصل إلى 23% فقط في ألمانيا .
4- أظهر التقرير أن 55% من المسلمين في الاتحاد الأوربي يعتقدون بأن التمييز الديني والعرقي قد ازداد في السنوات الخمس الماضية في أوربا .
ثانيا : أسباب اختلاف نسبة الاندماج في الدول الأوربية المذكورة .
كما ذكرنا سابقا فإن البحث لم يشر إلا إلى ثلاث دول فقط ولذا سنحاول مناقشة وضع المسلمين في هذه الدول .
1- لماذا هذه النسبة العالية من الاندماج في بريطانيا ؟ هنالك أسباب كثيرة طبعا ولكننا سنطرح بصورة سريعة أهمها :
- ذكرت الدراسة بأن السبب الرئيس يعود إلى دعم السلطات والقوانين البريطانية للتنوع الثقافي والديني للأقليات في بريطانيا . ونرى أن نشير هنا لتسامح بريطانيا مع المسلمين بتطبيق ما يطلق عليه ( الشريعة الإسلامية ) بدل القانون المدني . ( " قانون واحد للجميع " حملة بريطانية تسعى للحد من انتشار المحاكم الدينية ... . القدس العربي . 26/11/209 ) وهذا الحق غير موجود طبعا في فرنسا وربما أيضا في ألمانيا . ولا نعتقد بأن بالإمكان طرحه في أية دولة أوربية أخرى .
2- إن في بريطانيا توجد حرية تعبير عالية نسبيا بالمقارنة مع الدول الأوربية الأخرى وبالأخص في فرنسا والتي عانى فيها الكثير من الكتاب بسبب نشرهم بعض الكتب التي تنتقد سياسة وحكام الدولة اليهودية أو اللوبي الصهيوني . ونذكر بصورة سريعة بعض الكتاب ومؤلفاتهم أو كتاباتهم التي أثارت ضجة كبيرة نذكر منهم : أ- روجيه غارودي عندما أصدر كتابه المشهور : ( الأساطير الأساسية للسياسة الإسرائيلية ) عام 1996 . ونظرا لرفض كافة دور النشر لإصداره فقد اضطر لتأسيس دار طباعة باسمه . ليس هذا فقط ولكنه عانى من المحاكم والعزلة .. الخ وهو يشرح ذلك بكتابه الصغير بالفرنسية . Droit de réponse . 1996 . وتم نشره في نفس الدار طبعا علما بأن هذين الكتابين لا يباعان إلا ببعض المكتبات العربية .
ب- تييري ميسان . الذي ألف كتاب عن 11 سبتمبر – أيلول ، واتهم فيه المخابرات الأمريكية واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة بالقيام بالتفجيرات . كما أنه صاحب شبكة فولتير التي نشرت الكثير عن جرائم الصهيونية . وهذا الكاتب اضطر للهجرة إلى سوريا ثم إلى لبنان ، ويقال بأنه هدد من قبل الشرطة السرية الفرنسية حيث قالوا له : إذا بقيت في فرنسا فسوف تقتل .
ج – باسكال بونيفاس : الذي نشر كتابا ينتقد فيه سياسة قادة الكيان الصهيوني وهو بعنوان . هل مسموح نقد ( إسرائيل ) وقد اضطر لطلب المغفرة من اللوبي اليهودي في فرنسا والتراجع عن كل ما كتب . لغرض البقاء في وظيفته كمدير للمركز الفرنسي للعلاقات الدولية .
فهل يحدث هذا في بريطانيا ؟ من المؤكد كلا وألف كلا .
3 – في بريطانيا يوجد احترام لما يطلق عليه ( العدالة وحقوق الإنسان ) وأكبر دليل على ذلك صدور مذكرة توقيف بحق وزيرة خارجية الدولة اليهودية سابقا تسيبي لفني .
وفي فرنسا فإن اتخاذ مثل هذا القرار ممكن من الناحية القانونية ، ولكنننا لا نعتقد بوجود قاض في هذا البلد يجرأ على إصدار مذكرة توقيف بحق أي مسئول من الدولة المذكورة .
4- أصول المسلمين في البلدان الثلاث .
حسب معلوماتنا فإن أغلب المسلمين في بريطانيا هم من باكستان وبنغلادش والهند ، ونسبة كبيرة منهم استقر في بريطانيا عندما كانت الهند ، التي كانت تضم هذه الدول الثلاث ، تابعة للعلم البريطاني ، وكانت لغتهم الانكليزية ولذا فإن اندماجهم بالمجتمع البريطاني كانت سهلة .
كما توجد نسبة من المسلمين من أصول أفريقية والذين كانت بلدانهم مستعمرات بريطانية واندماجهم لا يختلف عن اندماج الهنود .
أما المسلمين من أصول عربية فسنتكلم عنهم عندما نناقش المسلمين في فرنسا .
بالنسبة لألمانيا : فإن الغالبية العظمى من مسلمي هذه الدولة هم من الأتراك ، ومن خلال مخالطتهم في فرنسا وجدنا بأنهم متمسكون بلغتهم الأم وبتقاليدهم وثقافتهم ، ومن النادر إن لم يكن من المستحيل أن تجد تركي ، حتى الذين ولدوا في فرنسا ، لا يتكلم اللغة التركية ونفس الشيء بالنسبة للأكراد . ولهذا السبب فإن نسبة اندماج المسلمين في ألمانيا ضعيف مقارنة مع بريطانيا وفرنسا .
أما فيما يتعلق بفرنسا : وفق ما ذكرنا أعلاه من حقنا أن نستغرب بأن تكون نسبة الاندماج 49% التي نراها كثيرة جدا .
ونحن نرجع ارتفاع نسبة اندماج المسلمين في هذا البلد إلى أن الغالبية العظمى من مسلميه هم من أصول عربية أو من الدول العربية وبصورة خاصة من دول المغرب العربي .
ونظرا لكون العرب هم أقل الناس احتراما للغتهم وثقافتهم ، حيث من النادر جدا أن تجد عربيا ولد في فرنسا يتكلم اللغة العربية عكس بقية الأقوام . ولذا فإن هؤلاء ليس لهم الخيار فهم مضطرون للاندماج بالمجتمع الفرنسي الذي يرفضهم .
ونحن من جانبنا لا نعارض الاندماج ولكننا ضد عدم احترام الآخر وثقافته أي بصورة أوضح نحن مع التنوع الثقافي واللغوي والديني أملين أن تحذوا فرنسا والدول الأوربية حذو بريطانيا في هذا المجال . والله من وراء القصد .
الدكتور عبدالإله الراوي
دكتور في القانون وصحافي عراقي سابق مقيم في فرنسا
hamadalrawi@maktoob.com
تجدون كافة مقالاتنا التي نشرت بعد الغزو على
http://iraqrawi.blogspot.com
الدكتور : عبدالإله الراوي
قبل عدة أيام قرأت مقالا يتضمن عرض ما ورد في استطلاع رأي حول هذا الموضوع ( تقرير يكشف أن مسلمي بريطانيا الأكثر وطنية . وكالة الأنباء البريطانية . 14/12/2009 ) .
ونظرا لكون هذا البحث لم يتطرق لأسباب الفرق باندماج المسلمين في الدول التي تطرق لها ولكوننا لم نحصل على التقرير فنحن مضطرون للتعويل على ما ورد في هذا المقال .
ولكن قبل أن نناقش الأسباب نود على تقديم موجز لما ورد بالتقرير مع بعض الملاحظات.
أولا : عرض سريع لما ورد بالبحث مع ملاحظات .
1- التقرير يعتبر الذين ينسلخون من أوطانهم وثقافتهم الأصلية: ( الأكثر وطنية ) ووفق قناعتنا كان المفروض أن يقال : أكثر حبا لوطنهم الذي يقيمون فيه وأكثر اندماجا بالمجتمع الذي يعيشون معه .
2- كشفت الدراسة أن معدل 78% من مسلمي بريطانيا يرون أنفسهم بريطانيين ، مع وجود فرق لا يمكن تجاهله بين الجيل الأول من المهاجرين والجيل الثاني أي الذين ولدوا في بريطانيا حيث أن 72% من المولودين في بلدانهم الأصلية يرون أنفسهم بريطانيين وقفزت هذه النسبة إلى 94% لدى الجيل الثاني .
ونرى فعلا بأن النسبة عالية جدا وغير متوقعة وبالأخص بالنسبة للجيل الثاني ، وربما يعود ذلك لقلة زيارة هؤلاء للدول التي ولد فيها آباءهم ، كما أنهم استطاعوا ومن خلال دراستهم في بريطانيا على الحصول على عمل أسوة بأقرانهم من البريطانيين من أديان أخرى .
3- أشار البحث إلى أن نسبة من يعتبرون أنفسهم فرنسيين من المسلمين هي 49% لتصل إلى 23% فقط في ألمانيا .
4- أظهر التقرير أن 55% من المسلمين في الاتحاد الأوربي يعتقدون بأن التمييز الديني والعرقي قد ازداد في السنوات الخمس الماضية في أوربا .
ثانيا : أسباب اختلاف نسبة الاندماج في الدول الأوربية المذكورة .
كما ذكرنا سابقا فإن البحث لم يشر إلا إلى ثلاث دول فقط ولذا سنحاول مناقشة وضع المسلمين في هذه الدول .
1- لماذا هذه النسبة العالية من الاندماج في بريطانيا ؟ هنالك أسباب كثيرة طبعا ولكننا سنطرح بصورة سريعة أهمها :
- ذكرت الدراسة بأن السبب الرئيس يعود إلى دعم السلطات والقوانين البريطانية للتنوع الثقافي والديني للأقليات في بريطانيا . ونرى أن نشير هنا لتسامح بريطانيا مع المسلمين بتطبيق ما يطلق عليه ( الشريعة الإسلامية ) بدل القانون المدني . ( " قانون واحد للجميع " حملة بريطانية تسعى للحد من انتشار المحاكم الدينية ... . القدس العربي . 26/11/209 ) وهذا الحق غير موجود طبعا في فرنسا وربما أيضا في ألمانيا . ولا نعتقد بأن بالإمكان طرحه في أية دولة أوربية أخرى .
2- إن في بريطانيا توجد حرية تعبير عالية نسبيا بالمقارنة مع الدول الأوربية الأخرى وبالأخص في فرنسا والتي عانى فيها الكثير من الكتاب بسبب نشرهم بعض الكتب التي تنتقد سياسة وحكام الدولة اليهودية أو اللوبي الصهيوني . ونذكر بصورة سريعة بعض الكتاب ومؤلفاتهم أو كتاباتهم التي أثارت ضجة كبيرة نذكر منهم : أ- روجيه غارودي عندما أصدر كتابه المشهور : ( الأساطير الأساسية للسياسة الإسرائيلية ) عام 1996 . ونظرا لرفض كافة دور النشر لإصداره فقد اضطر لتأسيس دار طباعة باسمه . ليس هذا فقط ولكنه عانى من المحاكم والعزلة .. الخ وهو يشرح ذلك بكتابه الصغير بالفرنسية . Droit de réponse . 1996 . وتم نشره في نفس الدار طبعا علما بأن هذين الكتابين لا يباعان إلا ببعض المكتبات العربية .
ب- تييري ميسان . الذي ألف كتاب عن 11 سبتمبر – أيلول ، واتهم فيه المخابرات الأمريكية واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة بالقيام بالتفجيرات . كما أنه صاحب شبكة فولتير التي نشرت الكثير عن جرائم الصهيونية . وهذا الكاتب اضطر للهجرة إلى سوريا ثم إلى لبنان ، ويقال بأنه هدد من قبل الشرطة السرية الفرنسية حيث قالوا له : إذا بقيت في فرنسا فسوف تقتل .
ج – باسكال بونيفاس : الذي نشر كتابا ينتقد فيه سياسة قادة الكيان الصهيوني وهو بعنوان . هل مسموح نقد ( إسرائيل ) وقد اضطر لطلب المغفرة من اللوبي اليهودي في فرنسا والتراجع عن كل ما كتب . لغرض البقاء في وظيفته كمدير للمركز الفرنسي للعلاقات الدولية .
فهل يحدث هذا في بريطانيا ؟ من المؤكد كلا وألف كلا .
3 – في بريطانيا يوجد احترام لما يطلق عليه ( العدالة وحقوق الإنسان ) وأكبر دليل على ذلك صدور مذكرة توقيف بحق وزيرة خارجية الدولة اليهودية سابقا تسيبي لفني .
وفي فرنسا فإن اتخاذ مثل هذا القرار ممكن من الناحية القانونية ، ولكنننا لا نعتقد بوجود قاض في هذا البلد يجرأ على إصدار مذكرة توقيف بحق أي مسئول من الدولة المذكورة .
4- أصول المسلمين في البلدان الثلاث .
حسب معلوماتنا فإن أغلب المسلمين في بريطانيا هم من باكستان وبنغلادش والهند ، ونسبة كبيرة منهم استقر في بريطانيا عندما كانت الهند ، التي كانت تضم هذه الدول الثلاث ، تابعة للعلم البريطاني ، وكانت لغتهم الانكليزية ولذا فإن اندماجهم بالمجتمع البريطاني كانت سهلة .
كما توجد نسبة من المسلمين من أصول أفريقية والذين كانت بلدانهم مستعمرات بريطانية واندماجهم لا يختلف عن اندماج الهنود .
أما المسلمين من أصول عربية فسنتكلم عنهم عندما نناقش المسلمين في فرنسا .
بالنسبة لألمانيا : فإن الغالبية العظمى من مسلمي هذه الدولة هم من الأتراك ، ومن خلال مخالطتهم في فرنسا وجدنا بأنهم متمسكون بلغتهم الأم وبتقاليدهم وثقافتهم ، ومن النادر إن لم يكن من المستحيل أن تجد تركي ، حتى الذين ولدوا في فرنسا ، لا يتكلم اللغة التركية ونفس الشيء بالنسبة للأكراد . ولهذا السبب فإن نسبة اندماج المسلمين في ألمانيا ضعيف مقارنة مع بريطانيا وفرنسا .
أما فيما يتعلق بفرنسا : وفق ما ذكرنا أعلاه من حقنا أن نستغرب بأن تكون نسبة الاندماج 49% التي نراها كثيرة جدا .
ونحن نرجع ارتفاع نسبة اندماج المسلمين في هذا البلد إلى أن الغالبية العظمى من مسلميه هم من أصول عربية أو من الدول العربية وبصورة خاصة من دول المغرب العربي .
ونظرا لكون العرب هم أقل الناس احتراما للغتهم وثقافتهم ، حيث من النادر جدا أن تجد عربيا ولد في فرنسا يتكلم اللغة العربية عكس بقية الأقوام . ولذا فإن هؤلاء ليس لهم الخيار فهم مضطرون للاندماج بالمجتمع الفرنسي الذي يرفضهم .
ونحن من جانبنا لا نعارض الاندماج ولكننا ضد عدم احترام الآخر وثقافته أي بصورة أوضح نحن مع التنوع الثقافي واللغوي والديني أملين أن تحذوا فرنسا والدول الأوربية حذو بريطانيا في هذا المجال . والله من وراء القصد .
الدكتور عبدالإله الراوي
دكتور في القانون وصحافي عراقي سابق مقيم في فرنسا
hamadalrawi@maktoob.com
تجدون كافة مقالاتنا التي نشرت بعد الغزو على
http://iraqrawi.blogspot.com
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire