vendredi 30 novembre 2007



الدكتور عبدالإله الراوي

ردا على عصمت صلاح الدين :
ثورة العشرين لم تكن ثورة دينية

صحيفة القدس العربي 4/8/2003

لقد أثارتني مقالة منشورة في " القدس العربي " بتاريخ 3/7/2003 لكاتبها عصمت صلاح الدين ، وأول ما جلب انتباهي العنوان " شيعة عراقيون : لا انتقام من السنة " حيث أن كل من يقرأ العنوان يتصور بأن السنة قاموا بعمل مجازر لا مثيل لها في التاريخ بحق الشيعة ، وإن المعارك بين الشيعة والسنة مستمرة منذ مدة طويلة .

علما بأنه منذ تأسيس العراق الحديث ولحد الآن لم يحدث أي إشكال أو خلافات على هذا المستوى ، بل أن روح التعاون والأخوة والنضال المشترك ضد الاستعمار وأعوانه كانت هي السمات المشتركة لكافة أبناء العراق وبالأخص السنة والشيعة .

ولذا فإننا نستطيع أن نقول بكل بساطة بأن هذا العنوان يعتبر أول خطأ فضيع يرتكبه المراسل المذكور .
وفي الحقيقة إن أي عراقي مخلص لوطنه ، مهما يكن عقلانيا ومتحليا بضبط الأعصاب ، لا يستطيع أن يقف مكتوف الأيدي أمام مثل هذا العنوان الذي يثير وبشكل مباشر النعرة الطائفية .

ومن هذا المنطلق سنحاول مناقشة بعض النقاط التي أثيرت في هذا المقال .

أولا : يذكر صاحب هذه الرسالة : " وتنتشر المخاوف من نشوب حرب أهلية بين الشيعة والأقلية السنية التي ينتسب إليها جميع حكام العراق في العصر الحديث وذلك بعد الإطاحة بصدام ... وتعرض الشيعة للقمع والاغتيالات والظلم خلال معظم تاريخهم ، ولم تكن حياتهم تحت حكم الأقلية السنية في العراق الحديث استثناء .

فمنذ أن أتى البريطانيون بالأسرة الهاشمية من مقرها في سورية لتحكم دولة العراق التي أقاموها في ذلك الوقت تعرض الشيعة للتهميش على أقل تقدير ."

1- الظاهر أن كاتب الرسالة يجهل جهلا تاما تاريخ العراق ، وقد تساءلت ويحق لي أن أتساءل الآن ، هل أن المراسل المذكور عراقي ؟
في الحقيقة لولا أن اسمه المثبت يدل على أنه مسلم لقلت ، بكل بساطة ، أنه أمريكي ، لأن كل ما كتبه لا يخدم إلا قادة الاستعمار الحديث والسيطرة الامبريالية والصهيونية أي الأمريكان ، وذلك من خلال ما سنوضحه فيما يلي :

2 – إن العائلة الهاشمية لم تأت من سورية بل من الحجاز والكل يعلم بأن الشريف حسين ، والد الملك فيصل
الأول بن الحسين ، كان قائد الثورة العربية الكبرى أثناء الحرب العالمية الأولى .
أما الملك فيصل بن الحسين فإنه بعد تحرير سوريا ، من القوات العثمانية ، من قبل القوات العربية التي كان يقودها فيصل نفسه ، تم تنصيبه من قبل هذه القوات ومن قبل السوريين ملكا على سورية .

ولكن القوات الفرنسية – تنفيذا للمعاهدات الموقعة بين بريطانيا وفرنسا بتقسيم المنطقة العربية التي كانت تابعة للدولة العثمانية وبالأخص اتفاقية سان ريمو – استولت على سورية بعد أن قامت بمجازر مشهورة بحق الشعب السوري والجيش العربي وبالأخص في موقعة ميسلون .

ولذا لم يكن أمام الملك المذكور إلا اللجوء إلى بريطانيا لمطالبة المسئولين البريطانيين بتنفيذ وعودهم التي قطعوها لوالده بتحرير البلدان العربية والسماح للعرب بحكم أنفسهم .

ثم بعد ثورة العشرين وشعور البريطانيين بالعجز عن إدارة العراق إدارة مباشرة ، جمعت سلطات الاحتلال ممثلين عن نسبة عالية من العراقيين الذين وافقوا على أن يكون فيصل ملكا على العراق ، وفي ذلك الوقت لم يفكر أحد بأن فيصل كان سنيا أو شيعيا وذلك لأن الدافع القومي هو الذي كان مسيطرا في تلك الفترة وليس الانتماء لمذهب معين .

ونفس كاتب الرسالة ، يؤكد ما ذكرناه أعلاه ، ولو بطريقة ملتوية وبعيدة عن الحقيقة ، عندما يقول أن الشيعة : " أبرموا اتفاقا مع الهاشميين على تأسيس دولة إسلامية عربية يحكمها الهاشميون آخذين في اعتبارهم أنهم الأغلبية وسيهيمنون على أي برلمان ... ويرى الشيعة أن الهاشميين خانوهم وحرموهم من نصيبهم في الحكم ."

نود أن نوضح هنا ، أولا : بأنه لم يكن هنالك أي اتفاق بين الشيعة والهاشميين إلا في خيال المراسل المذكور ، وإن استطاع إيجاد مثل هذا الاتفاق فسيحصل على سبق تاريخي مهم جدا .
وثانيا : لو أن السيد المراسل قرأ كتاب تاريخ الوزارات العراقية للحسني وتشكيلات الحكومات العراقية لوجد بأن كثيرا من رؤساء الوزارات والوزراء في العهد الملكي ، وفي كافة الأنظمة التي تلته وحتى في فترة حكم صدام حسين ، كانوا شيعة وإن الشيعة لم يتعرضوا للتهميش كما يقول .

ثالثا : عندما يتكلم الكاتب عن ثورة العشرين يقول : " وفي مرحلة مماثلة من الفراغ السياسي الحالي قام الشيعة بالتمرد على البريطانيين بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية عام 1920 ."

للأسف لا يسمح لنا المجال في مقال بسيط كهذا التطرق لكافة الحقائق المتعلقة بثورة العشرين ولذا سنكتفي بذكر بعض الجوانب التاريخية لهذه الثورة .
1- إن بداية الثورة المذكورة لم تنطلق من جنوب العراق ، حيث يقيم أغلب إخواننا الشيعة ، ولكن من شماله ، وذلك أنه بعد إعلان الانتداب البريطاني على العراق في أيار ( مايو ) 1920 وشعور الوطنيين العراقيين بأن الانكليز لن يتخلوا عن وطنهم إلا بثورة مسلحة ، بدءوا يستعدون للهجوم عل تلعفر من دير الزور ، وإن جمعية العهد العراقي أوعزت لضباط الجيش من العراقيين ، الذين ساهموا في الثورة العربية مع فيصل بن الحسين وكانوا متواجدين في سورية ، بالاستقالة من الجيش العربي والالتحاق بدير الزور ، وفعلا قامت هذه القوات بالسيطرة على تلعفر في 4 حزيران ( يونيو ) من نفس السنة وقتلوا معاون الحاكم السياسي في هذه المدينة .
وفي نفس الوقت بدأ أعضاء جمعية العهد في الموصل بتوزيع المنشورات التي تحرض المواطنين على الثورة ، ولكن القوات البريطانية استطاعت استعادة تلعفر من أيدي القوات الوطنية العراقية ، التي كانت تتكون بالتأكيد من سنة وشيعة ، في 9 حزيران ( يونيو ) 1920 .

بعد ذلك انطلقت الثورة من جنوب العراق عندما قام الانكليز باعتقال شيخ إحدى عشائر الرميثة في 30 حزيران ( يونيو ) من نفس هذا العام ، ثم امتدت الثورة لتشمل كافة مناطق العراق الأخرى فبالإضافة للنجف والحلة ومناطق الجنوب الأخرى ، فقد امتدت هذه الثورة إلى لواء الدليم حيث استطاع الشيخ ضاري وأولاده قتل الكولونيل لجمن حاكم لواء الدليم . وإلى ديالى عندما سيطر الثوار على مدينة بعقوبة وشكلوا حكومة فيها ، وامتدت كذلك إلى لتشمل كركوك والموصل وأربيل والسليمانية .

بعد هذا العرض السريع والموجز نقول : هل أن كاتب المقال أو غيره يبقون على إصرارهم بأن ثورة العشرين هي ثورة شيعية ؟
إنها في الحقيقة وبكل بساطة كانت حربا تحررية شارك فيها كل أبناء الشعب العراقي المخلصين لوطنهم .

وأخيرا نرى لزاما علينا أن نشير إلى أن ثورة العشرين لم تكن ثورة دينية وإن قادتها لم يكونوا من رجال الدين بل من شيوخ العشائر ووجهاء المدن الكبرى .
حيث أن جعفر أبو التمن والشيخ ضاري وقادة الثورة الآخرين لم يكونوا بأي شكل من الأشكال رجال دين .

وختاما نقول بأن مثل هذه الأطروحات لا تخدم ، وبالأخص في هذا الظرف العصيب الذي يمر به وطننا ، إلا قوات الاحتلال والصهيونية العالمية . وما أحوجنا اليوم إلى الابتعاد عن أي إثارة للنزعات المذهبية أو الطائفية لتوحيد جهود كافة العراقيين الشرفاء والمخلصين لطرد المحتلين وتحرير أرضنا المقدسة .


Aucun commentaire: