vendredi 30 novembre 2007

أزمة الرهينتين الفرنسيتين ... وطريقة معالجتها .

الدكتور عبدالاله الراوي *

. صحيفة القدس العربي : 13/10/2004



مبدئيا نحن لا نؤيد قيام أية مجموعة من المقاومة العراقية باحتجاز رهائن من المدنيين وبالأخص من رعايا الدول التي لم تساهم في غزو العراق ولم ترسل قوات عسكرية لدعم الاحتلال الأمريكي لوطننا، إضافة لذلك فنحن نعارض منع الصحفيين والأشخاص العاملين ضمن منظمات إنسانية من ممارسة أعمالهم، خصوصا إذا كانوا يكتبون بحد أدنى من الموضوعية أو يعملون فعلا من أجل الشعب العراقي وليس لصالح سلطات الاحتلال ومن يسير في ركابها.
علما بأنه صدر ، حديثا، بيان يؤكد بأن " قوى المقاومة العراقية تعلن رفضها لعمليات الخطف " ( محيط. كم 6/9/2004 ).
ولكن كلمتنا هذه سوف لا تقوم بدراسة لموضوع الرهائن وإيجابياته وسلبياته ...الخ ، بل ستكون موجهة لدراسة موضوع الصحافيين الفرنسيين المحتجزين في العراق ، ومحاولة معرفة الجهة التي قامت بخطفهما ثم مناقشة الجهود الفرنسية لتحريرهما مع تقديم مقترح ممكن أن يساهم في هذا المجال.

أولا : من هي الجهة التي قامت باختطاف الرهينتين المذكورتين؟

حسب البيانات الصادرة عن مواقع على ( الانترنت ) فإن تنظيم يطلق على نفسه ( الجيش الإسلامي في العراق ) هو الذي يقوم باحتجاز الصحافيين المذكورين. ولكن ظهر بيان ، يوم 6/9/2004، على أحد المواقع يدعي بأن التنظيم المذكور يطالب بفدية قدرها خمسة ملايين دولار بدل تحرير الرهينتين مع مطالب أخرى . ثم تم صدور بيان آخر باسم نفس المجموعة ينفي البيان السابق مؤكدا بأن التنظيم الذي يحتجز الرهينتين لم يطالب بالفدية المذكورة ...الخ.( القدس العربي 1 و 7 و9/9/2004 ص 3) إذا يا ترى من هي الجهة التي تقوم باحتجاز الصحافيين الفرنسيين فعلا ؟ وما هي مطالبها؟
وفق البينات المذكورة فإن ( الجيش الإسلامي في العراق ) يطالب فرنسا بإلغاء القانون الفرنسي الذي تم بموجبه منع الفتيات المسلمات من وضع الحجاب في المدارس الفرنسية . ولكن هل أن هذا السبب مبررا لاحتجاز الرهينتين المذكورتين ؟ وهل أن ( الجيش الإسلامي في العراق) له وجود حقيقي على الساحة العراقية، أم أن هذا التنظيم ليس إلا مجرد أوهام ؟

في الوقت الذي نعترف فيه بصعوبة الإجابة على هذين السؤالين، نقول بأن الشارع العراقي يشك كثيرا بصحة البيانات المذكورة ، وبالنسبة له فإن أصابع الاتهام بمثل هذه العمليات لا توجه إلا إلى قوات الاحتلال و الموساد الصهيوني.
واتهام هاتين الجهتين لا يشمل عمليات الاختطاف فقط ولكن كافة الأعمال الإجرامية التي أدت إلى استشهاد آلاف العراقيين الأبرياء مثل ما تم في كربلاء والكاظمية وغيرها.

نعم إن أغلب العراقيين الشرفاء يعلمون بأن هدف الموساد وقوات الاحتلال بالمرتبة الأولى هو محاولة خلق حرب طائفية واستمرار الفوضى في العراق ليكون مبررا بإدامة الاحتلال إلى أجل غير مسمى، بحجة آن العراقيين شعب متخلف ليس مؤهلا لإدارة بلده ولذا فهم ملزمون بالبقاء لمساعدته على استتباب الأمن.

وبدون الخوض في موضوع الأعمال الإجرامية المذكورة وغيرها، سنحاول مناقشة موضوع الرهينتين الفرنسيتين ودوافع سلطات الاحتلال ومن يساندها بالقيام باحتجازهما.
نحن لا نستبعد ضلوع القوات الأمريكية والموساد أو من يؤيدهما من الفصائل التي يطلق عليها ، خطأ، عراقية ، بالقيام بهذا العمل لتحقيق أهداف كثيرة أهمها :
1- حسب معلوماتنا فإن للصحافيين المحتجزين مواقف جيدة من القضايا العربية وبشكل خاص فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ، إضافة إلى أن أغلب ما كانا يكتبانه عن العراق يتسم بالموضوعية، ونظرا لكون ما يسمى بالحكومة العراقية المؤقتة ومن ورائها سلطات الاحتلال لا تستطيع طردهما، كما أغلقت مقري الجزيرة والعربية، خشية من الموقف الأوربي والعالمي، ولذا فإن أفضل وسيلة للتخلص منهما هو اختلاق عملية الاختطاف هذه، إضافة لتحقيق الأهداف الأخرى التي سنذكرها، أي ضرب عدة عصافير بحجر واحد.
2- محاولة إرغام فرنسا على إرسال قوات عسكرية أو على الأقل مساندة قوات الاحتلال بشكل أكثر فاعلية. وبالأخص فإن أياد علاوي رئيس ما يطلق عليها (الحكومة العراقية المؤقتة) صرح عقب خطف الصحافيين المذكورين بتصريحات تصب في هذا الاتجاه ، مما اضطر الحكومة الفرنسية للرد علية وإلى تأجيل الزيارة التي كان من المفروض أن يقوم بها الياور ، الرئيس المؤقت للجمهرية العراقية، والوفد المرافق له إلى باريس يوم 5/9/2004 .
. نعم إن علاوي أدلى بحديث لصحيفة ( كورييري ديلا سيرا ) الإيطالية قال فيه " أن خطف الصحافيين الفرنسيين يؤكد أن الحياد غير ممكن وإن الذين لا يقاتلون إلى جانب الحكومة العراقية ليسوا في منأى عن الارهاب " وأضاف " لايمكن لأي بلد متمدن أن ينأى بنفسه الحرب على الإرهاب يجب أن تكون شاملة لأن التحدي شامل وليس هناك من حياد ممكن كما أكد ذلك اختطاف الصحافيين الفرنسيين " ( عرب 2000. نت 31/8/2004 ). إضافة لذلك فإن الصحف العراقية المساندة لحكومة علاوي حبرت الكثير من المقالات التي تصب في نفس اتجاه تصريحات أياد علاوي المذكورة أعلاه.( القدس العربي 3/9/2004 ص.3)
أليس هذا دليلا كافيا، لوحده، على ما ذكرنا من احتمال تورط قوات الاحتلال بالقيام بعملية الاختطاف ؟

3- تشويه سمعة المقاومة العراقية بشكل خاص والإسلام والحركات الإسلامية بشكل عام ، باتهامها بأنها تقوم بأعمال إرهابية تجاه كافة الأجانب ولا تستثني أحدا ، أي أنها تطال المدنيين من صحافيين وعاملين في مجالات إنسانية وغيرهم ، وقد تشمل رعايا الدول التي رفضت الغزو الأمريكي للعراق ولم تشترك بشكل مباشر بمساندته. وأكبر دليل على ما ذكرناه هنا تصريحات أياد علاوي المذكورة أعلاه.

ثانيا: محاولات تحرير الرهائن . سنتطرق إلى محاولات السلطات المعلنة ثم عرض مقترحنا في هذا المجال .

1- محاولات الحكومة الفرنسية :
في الوقت الذي نؤكد جهلنا بالجهود التي تقوم بها السلطات الفرنسية خلف الستار لإطلاق سراح الرهينتين ، فإن الحكومة الفرنسية ، حسب تقديرنا، وقعت في خطئ فادح بإرسالها وفدا مكونا ممن يطلق عليهم جزافا ( ممثلي الجالية الإسلامية في فرنسا ) ، لأن التصريحات التي أطلقوها من بغداد – وحسب ما نقلته الفضائيات الفرنسية- تدل على الموقف المتحيز والبعيد عن الحقيقة لهؤلاء الممثلين.
وسوف نكتفي بذكر تصريح أحدهم الذي تكلم بالغتين العربية والفرنسة حيث قال : " إن قانون العلمانية ليس موجه ضد المسلمين في فرنسا" وهو يعلم جيدا بأن هذا مخالف للحقيقة، لأنه لولا الحجاب لما صدر مثل هذا القانون ، وإن مشكلة وضع الحجاب من قبل الطالبات المسلمات كانت أحد القضايا التي شغلت الحكومة الفرنسية والقضاء الفرنسي منذ عدة سنوات .
كما نقلت الفضائيات الفرنسية تصريحات أخرى لبعض المسؤولين المسلمين في فرنسا يؤكدون فيها بأن المسلمين في هذا البلد يعيشون في بحبوحة من الحرية لا يمكن مقارنتها مع أي بلد آخر.
إن هذه التصريحات لا يمكن أن تؤدي إلى أي مردود إيجابي بل تثير التقزز ويكون لها مردود عكسي، لأنها لا تعبر عما يعيشه المسلمون على أرض الواقع .
ونستطيع أن نؤكد بأن فرنسا ليست جنة للمسلمين وإنها ليست أفضل من الكثير من الدول الأوربية في هذا المجال، و إن المسلمين يتمتعون ، في كل من بلجيكا وهولندا وحتى بريطانيا، بحرية أكثر مما عليه الحال في فرنسا،.
في الحقيقة إن أبسط المتطلبات الأساسية للمسلم لممارسة شعائر دينه غير متوفرة في فرنسا ولا يمكن تحقيقها ، بسهولة ، للمسلمين وأبسط مثل على ذلك بناء الجوامع.

2- مقترحنا لتحرير الصحافيين المذكورين.
إذا كانت الجهة التي قامت باحتجاز الرهينتين هي فعلا منظمة إسلامية تطالب بإلغاء القانون الفرنسي الذي منع وضع الحجاب من قبل طالبات المدارس ، نقول بأن ما قامت به السلطات الفرنسية ومن ساندها من المسلمين هو موقف غير صائب .
صحيح أن فرنسا لا يمكن أن تخضع لمطالب الخاطفين وتقوم بإلغاء القانون المذكور، لأنه لا يجوز مقارنة فرنسا بالفلبين التي قامت بسحب قواتها من العراق لغرض إنقاذ أحد رعاياها.
إن فرنسا دولة كبرى وإن إلغاء القانون المذكور يمس سيادتها ومكانتها الدولية ، ولذا نرى بأنه بالإمكان تحقيق الهدف المطلوب – السماح للطالبات المسلمات بلبس الحجاب في المدارس – دون إحراج السلطات الفرنسية .

أما كيف ؟ فنقول : إننا نحث كافة المنظمات الإسلامية في فرنسا أن تركز على هذا الطلب بدلا من بذل جهودها، عبثا، بالمطالبة بإلغاء القانون المذكور.
المقترح الذي نطرحه هو قيام الحكومة الفرنسية بمساعدة المسلمين بإنشاء مدارس عربية أو إسلامية أسوة بالمسيحيين واليهود في هذه الدولة .
ولكن سيقال لنا: لماذا يتم مساعدة المسلمين دون غيرهم في هذا المجال ؟
نقول : إن للمسيحيين ولليهود في فرنسا مدارس خاصة تشمل كافة مستويات الدراسة ، وذلك لكون المسيحيين ومنذ القدم ليهم مدارسهم من الروضة إلى الجامعات ، أما اليهود فرغم كونهم لا يشكلون أكثر من واحد في المائة من الشعب الفرنسي فهم متواجدون في فرنسا منذ قرون عديدة إضافة إلى أن نسبة عالية منهم يسيطرون على الكثير من المؤسسات الاقتصادية والإعلامية في هذا البلد ، ناهيك عن أنهم يشكلون نسبة كبيرة من بين قادة أغلب الأحزاب الفرنسية مقارنة مع نسبتهم السكانية . ولذا ففي كل حكومة فإن نسبة الوزراء اليهود عالية.
أما المسلمين – الذين يشكلون أكثر من 10% من الشعب الفرنسي - فنستطيع أن نقول ، بدون مبالغة، أنه من الصعوبة جدا أن تجد مسلما يمتلك مؤسسة اقتصادية أو لإعلامية ذات شأن . ليس هذا فقط بل لا يمكن أن تجد مسؤولا، واحدا ، في الدولة الفرنسية مسلما أو من أصول عربية .
ولكن كيف تتم هذه المساعدة ؟ وهل من المنطق أن تقدم الحكومة الفرنسية للمسلمين مبالغ دون حساب للقيام بإنشاء مدارسهم ؟
نقول إن ما نقترحه لا يكلف الحكومة الفرنسية كثيرا ولا يؤثر على مكانتها أو سمعتها لأنه يشكل مطلبا مشروعا، حتى دون وجود أزمة الرهينتين ، وذلك بأن تقوم السلطات الفرنسية بإصدار قانون بسيط يستثني المدارس الإسلامية أو العربية من بعض فقرات أحد القوانين المعمول به.
1- حسب نصوص قانون ( عقد بسيط – عقد الجمعيات المؤرخ في 31/12/1958 وتعديلاته ) فإن أية مدرسة لا يمكن شمولها بهذا القانون إلا بعد خمسة سنوات من تاريخ إنشائها. وللأسباب التي ذكرناها فمن المفروض أن تستثنى المدارس المقترحة من هذا الشرط. وبالأخص فإن المسلمين في فرنسا، كما ذكرنا، ليس لديهم الإمكانات المادية لإدارة هذه المدارس طيلة المدة المطلوبة.
2- إعفاء معلمي ومدرسي المدارس المذكورة من شرط حصولهم على نفس شهادة أقرانهم في المدارس الفرنسية . ومبررات طلبنا هذا بسيطة جدا نوضحها كما يلي:
- من الصعوبة جدا ، إن لم نقل من المستحيل، أن تتمكن هذه المدارس ، وفق الشرط المذكور، الحصول على مدرسين يتقنون اللغة العربية أو لهم إلمام كاف بشؤون الدين الإسلامي لسببين.
الأول: إن نسبة العرب أو الذين يتقنون اللغة العربية الذين يقبلون ، حاليا، في دور المدرسين في فرنسا ضئيلة جدا إن لم تكن معدومة.
الثاني: إن المدارس الخاصة في فرنسا لديها معاهد تابعة لها تقوم بتخريج ما تحتاجه من المدرسين.
وبهذه الوسيلة سيتمكن المسلمون في فرنسا من إنشاء مدارس خاصة بهم ، لأن السلطات الفرنسية ، في هذه الحالة ، ستتحمل دفع رواتب المدرسين إضافة إلى مساعدة هذه المدارس ماديا أسوة بمثيلتها المدارس الرسمية .

بعد أن قدمنا مقترحنا هذا نأمل أن تقوم كافة المنظمات العربية والإسلامية بتبنيه لإقناع السلطات الفرنسية باتخاذ الإجراءات الكفيلة لوضعه موضع التطبيق، وبالأخص فإننا قدمنا من الأسباب الموجة والمبررات التي تشجع الحكومة الفرنسية لإصدار القانون المطلوب ، لتتم مصالحة حقيقية بين الجالية الإسلامية وبين السلطات الفرنسية ولكي لا يشعر المسلم بكونه مغبون في هذا البلد الذي من أبرز مبادئ ثورته : المساواة.

* دكتوراه في القانون وصحافي عراقي سابق مقيم في فرنسا.

Aucun commentaire: